الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

الفصل الثاني  
براءة الاختراع
وسوف نشرح هذا الموضوع في المباحث التالية:
المبحث الأول :-  مفهوم براءة الاختراع :
 براءة الاختراع هي عبارة عن شهادة تصدرها الجهة الإدارية المختصة وفقاً لأحكام القانون تعطي المخترع حق الاستئثار باستغلال واستخدام اختراعه صناعياً سواء بطريق مباشر أو غير مباشر ويستوى في ذلك إن كان هذا الاختراع يتعلق بمنتج صناعي جديد أو كان متعلقاً بطرق وسائل صناعية مستحدثة أو كان متعلقاً بتطبيق جديد لطرق ووسائل معروفة(1).
     ونجد أن قانون براءة الاختراع السوداني لسنة 1971م قد نص في مادته الثالثة على أن براءة الاختراع  تمنح عن كل اختراع جديد ناشئ عن جهد في الابتكار وقابل للاستغلال الصناعي ولكل اختراع يؤدي إلى تحسين اختراع قائم منحت عنه البراءة إذا كان جديداً ناشئاً عن جهد في الابتكار وقابلاً للاستغلال الصناعي.
    ونجد أن المادة 27/1 من اتفاقية الجوانب التجارية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية والمعروفة اختصاراً بـ (التربس) قد نصت على أن براءة الاختراع يجب أن تمنح لحماية الاختراعات التى تكون جديدة وتنطوي على خطوة إبداعية وتكون قابلة للتطبيق الصناعي.
      ومن خلال الاستعراض السابق نجد أن براءة الاختراع  حتى يتم منحها  يجب أن تتوفر في الاختراع الشروط التالية :
 ا/ الجدة.
2/ الخطوة الإبداعية. 
3/القابلية للاستغلال الصناعي. 
وسوف نشرح هذه الشروط بشيء من الإيجاز غير المخل فيما يلي :  
أولاً / الجدة : يجب أن يكون الاختراع جديداً بالمعني المطلق بمعنى أن لا يكون  جزءاً من معرفة  تكنولوجية موجودة في أى مكان من العالم قبل تاريخ طلب البراءة ويجب أن لا يكون الاختراع كذلك جزءاً من الأوضاع الفنية السائدة فيجب ألا يكون هذا الاختراع معروفا ً قبل تقديم طلب منح البراءة عنه ويستوى في ذلك  أن تكون المعرفة كتابة أو شفاهة أو عن طريق الاستغلال أو بأي وسيلة أخرى (1).
        توجد بعض الاختلافات فيما يتعلق بشرط الجدة في القوانين الوطنية لبعض الدول فمثلاً قانون البراءات الأمريكي لا يعتبر شرط الجدة قد انتفى إذا كان الاختراع معروف خارج أمريكا بوسائل غير مكتوبة ، أما في معظم الدول الأوربية ودول العالم فإن شرط الجدة ينتفي بمجرد المعرفة في خارج الدولة ولا فرق في أن تكون هذه المعرفة قد تمت شفاهة أو كتابة أو بأي وسيلة أخرى(2)
      وقد انحاز قانون براءة الاختراع السوداني لسنة 1971 م في المادة الثالثة إن  تمنح البراءة لاختراع يحسن من فعالية اختراع قائم أو معروف بين النحاس سيف وأن منحت عنه البراءة بشرط أن يكون ذلك الاختراع جديد وقابل لأن  يطبق صناعياً وكذلك نجد  أن القانون الأمريكي يمنح براءة الاختراع  لمعرفة مواد تم تطويرها واستخدامها لسنوات طويلة  بواسطة الجماعات المحلية والوطنية في الدول النامية ومثال ذلك براءة الاختراع التى منحت عن شجرة  النيم  والتي استخدمت منتجاتها على نطاق واسع في الهند ولعدة أغراض.
ثانياً / الخطوة الإبداعية (عدم الوضوح) :
     تشترط بعض الدول – مثل أمريكا أنه حتى يتم منح البراءة عن الاختراع أن يكون غير واضح بالنسبة للمهندس أو العالم العادي الذي يعمل في نفس المجال في الوقت الذي تم فيه الحصول على الاختراع ويتم التحكم في مسالة عدم الوضوح على أساس تحديد(3):
‌أ-       المعرفة التكنولوجية القائمة.
‌ب-  الاختلافات بين الاختراع المزعوم والمعرفة التكنولوجية القائمة.
‌ج-   مستوى المهارة العادية في المجال الصناعي.
 فالاختراع حتى يحوز على البراءة يجب أن يكون فيه ابتكار  و شئ  جديد وسمة إبداعية تميزه عن المعرفة القائمة وقت منح البراءة فيجب أن يقوم بحل مشكلة فنية قائمة.
ثالثاً/ القابلية للتطبيق الصناعي :    
1/ لا بد حتى تمنح براءة الاختراع أن يكون الاختراع قابلاً للاستغلال والاستفادة منه صناعياً. وتختلف التشريعات الوطنية في ضوابط الالتزام بهذا الشرط فمثلاً القانون الأمريكي يشترط أن يكون الاختراع من ناحية عملية قادراً على أداء وظيفة ما تستفيد منها البشرية وفي القانون الإسباني الذي يعد نموذجاً لكثير من دول أمريكا اللاتينية يجب أن يكون الاختراع قابلاً للتصنيع أو الاستخدام في أي شكل من أشكال الصناعة بما فيها الزراعة وكذلك نجد أن قانون براءة الاختراع السوداني لسنة 1971م اشترط لمنح براءة الاختراع أن يكون الاختراع قابل للاستغلال الصناعي.
     ولعله من المناسب أن نشير هنا إلى أنه حتى يتم منح براءة الاختراع يجب أن يكون الاختراع مشروعاً بمعنى انه لا يخالف القانون والنظام العام والآداب.
المبحث الثاني :- استثناءات براءة الاختراع:
     وفقاً لما جاء في المادة الثالثة من قانون براءة الاختراع السوداني فإنه لايعد من قبيل الاختراعات كل من: 
1-       القواعد النظرية
2-       الاكتشافات ذات الطبيعة العلمية.
   فلا يجوز وفقاً للقانون السوداني أن تمنح براءة اختراع عن أي من المعارف التي تدخل في معنى ما ذكر أعلاه.
    ووفقاً المادة 27 من اتفاقية ( التربس ) فإنه يجوز لأي دولة عضو في الاتفاقية ان تستثنى في قانونها الوطني من منح البراءة ما يلي :-
‌أ-     الاختراعات التي يتعارض استخدامها مع النظام العام والآداب.
‌ب-      طرق التشخيص والعلاج.
‌ج- النباتات والحيوانات.
  ولأهمية الاستثناءات السابقة والتي نصت عليه اتفاقية التربس سوف نشرحها بشيء من الايجاز فيما يلي :-
أولاً / النظام العام والآداب :
        يجوز لأي دولة أن تنص في قانونها الوطني على عدم منح براءة الاختراع لأي اختراع يكون منع استغلاله تجارياً داخل حدودها ضرورياً لحماية النظام العام والأخلاق بما في ذلك حماية الحياة أو الصحة البشرية أو الحيوانية أو النباتية أو لتجنب الأضرار الشديدة التي تلحق بالبيئة مع مراعاة الا يكون هذا الاستثناء ناجماً فقط عن حظر قوانينها لهذا الاستغلال.
     وفكرة النظام العام فكرة غير ثابتة ومتغيرة وتعتمد على الرؤى الوطنية وتختص المحاكم ومكاتب منح البراءة بتجديدها فمثلاً ووفقاً لإرشادات الفحص في المكتب الأوربي لبراءات الاختراع نجد أن فكرة النظام العام ترتبط بالأسباب الأمنية مثل الاضطرابات والفوضى العامة وكذلك ترتبط بالاختراعات التي يمكن  أن يؤدي استغلالها إلى انتهاج سلوك عدواني وإجرامي بصفة عامة ويشمل هذا الاستثناء كل الاختراعات التي تؤدي إلى الإضرار بالحياة أو صحة الإنسان والحيوان والنبات وكذلك يشمل الاختراعات التي  تؤثر سلباً على البيئة(1).  
    أما مفهوم الأخلاق فهو أيضاً مفهوم يتغير بالنظر إلى القيم السائدة في البلد فما يعد من الأخلاق في بلد ما قد لا يعد كذلك في بلد آخر فمفهوم الأخلاق يختلف باختلاف الثقافات والدول وتتغير كذلك بتغير الزمن فما يعد من الأخلاق في زمن ما قد لا يعد كذلك في زمن لاحق ولتحديد ما إذا كان الاختراع مخالف للأخلاق الفاضلة يجب مراعاة العوامل الثقافية والاجتماعية وعوامل الدين والتقاليد والجهة المختصة بتحديد ذلك هي المحاكم ومكاتب منح البراءة ويميز الفقه القانوني الأوربي بين النظام العام والأخلاق فمفهوم الأخلاق يشمل كل القواعد الأخلاقية المقبولة والتي تكون ذات جذور عميقة في ثقافة معينة – أما مفهوم النظام العام فإنه يتضمن حماية المصلحة العامة والسلامة والبيئة للأفراد ويشمل حماية البيئة بصفة عامة(1).  
ثانياً : طرق التشخيص والعلاج وإجراء الجراحة:
      يجوز للدول الأعضاء في اتفاقية التربس أن  تنص قوانينها الوطنية على استثناء طرق تشخيص الأمراض وطرق العلاج وإجراء العمليات الجراحية لمعالجة الإنسان والحيوان من منح براءة الاختراع وذلك لأنه في هذه الحالة فإن  الطريقة المستخدمة لا تعد اختراعاً كما أنه إذا تم  منح براءة اختراع لهذه المعارف لأدى لاحتكار فئة قليلة لها مما يؤدي إلى التأثير على صحة الإنسان والحيوان وهذا أمر من الخطورة بمكان(2).
ثالثاًَ / النباتات والحيوانات :
يجوز لأي دولة عضو في اتفاقية التربس أن تنص في قانونها الوطني على استثناء النبات والحيوان من منح البراءة وذلك لما يترتب على منح مثل هذه البراءة من آثار أخلاقية واقتصادية وقانونية ففي البرازيل مثلاً ينص القانون على استثناء كل الكائنات الحية فيما عدا الكائنات الدقيقة المخلقة جينياً ، وفي الدول الأوربية والتي تنتهج نهجًها فإنه يتم استبعاد السلالات النباتية والفصائل الحيوانية فقط من الحصول على البراءة . أما الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية فإنها تلتزم بمنح براءات اختراع عن الكائنات الدقيقة وهذا الالتزام محصور في الكائنات الدقيقة المعدلة جينياً وتلك التي لم تكن كائنة في الطبيعة من قبل(2).     
      ويشمل مفهوم الكائنات الدقيقة في بعض دوائر الاختصاص عناصر الخلية أو أجزائها الدقيقة ولكن استناداً للمفهوم العلمي فإنه في مجال التشريع يمكن حصر هذا المفهوم في البكتريا والفطريات والطحالب والكائنات وحيدة الخلية والفيروسات(4)
      ومن خلال الاستعراض السابق يتضح لنا مدى أهمية براءة الاختراع فهي تؤثر على حياة الإنسان وعلى البيئة المحيطة به من نبات وحيوان وعناصر البيئة الأخرى ومنعاً للاحتكار وفي سبيل العمل لتوفير المنتجات بأسعار مناسبة ورخيصة وجعلها في متناول أيدي المستهلكين وحفاظاً على البيئة من الأخطار المحدقة التي تهدد حياة الإنسان والنبات والحيوان يجب أن تسعى جميع دول العالم من خلال منظمات الأمم المتحدة ذات الاختصاص والمنظمات الأهلية الطوعية في العالم وضع نصوص قانونية دولية ملزمة لجميع الدول تنص على الآتي:
1-  منع احتكار أى اختراع يؤثر على صحة الإنسان وذلك بأن تقوم المنظمات المختصة بشراء حق البراءة من الشركات المالكة لها مثلاً أو إيجاد أى وسيلة أخرى تؤدي إلى هذا الهدف.
2-  القيام بجمع وتسجيل كل المعارف التقليدية في مختلف أنحاء العالم وجعلها مباحة الاستعمال في مجال خدمة تطور ورفاهية الإنسان بما في ذلك المعارف التقليدية الخاصة بالعلاج والزراعة وغيرها.
3-     حظر منح أي براءة اختراع لأى اختراع تكون له آثار ضارة بالبيئة بكل مكوناتها.
المبحث الثالث :- حق منح البراءة وحمايتها:
وسوف نبحث هذا الموضوع في المطالب التالية:- 
المطلب الأول : حق منح البراءة
      وفقاً لنص المادة 8 من قانون براءات الاختراع لسنة 1971م فإن الحق في منح البراءة يكون للآتي:
1/ المخترع سواء كان فرداً او شخصين أو مجموعة من الأشخاص إذا كان
    الاختراع كان نتيجة لعمل مشترك بينهم.
2/ الشخص الذي آلت إليه حقوق الاختراع.
الحقوق التي تخولها البراءة:
       إن منح البراءة عن الاختراع  يخول صاحبها حق الاستئثار بها واستغلالها كما أنها تعطيه حق منع الغير من استغلالها دون الرجوع اليه وقد حددت المادة 21 من قانون براءات الاختراع لسنة  1991م الحالات التي يمنع فيها صاحب الحق في البراءة الغير من استغلالها فقد نصت هذه المادة على الآتي:-
تخول البراءة لصاحبها المسجل الحق في منع الغير من القيام بالأعمال الآتية:
1/ عندما تمنح البراءة فيما يتعلق  بإنتاج سلعة :
أولاً : صنع أو استيراد السلعة أو عرضها للبيع أو بيعها أو استعمالها.
ثانياً : تخزين تلك السلعة بقصد عرضها للبيع أو بيعها  للتصنيع.
2/ عندما تمنح البراءة فيما يتعلق باستخدام طريقة للتصنيع.
أولاً : استخدام طريقة التصنبع .
ثانياً : القيام بأى من الأعمال المشار إليها في الفقرة (1) المتقدم ذكرها بالنسبة لسلعة ناتجة عن استخدام طريقة التصنيع.
مدة سريان البراءة :
   لقد حدد قانون براءات الاختراع لسنة 1971م مدة سريان البراءة بعشرين عاماً  فقد جاء في المادة 25 منه أن الحقوق المترتبة على البراءة تنقضي بعد عشرين سنة من تاريخ  تقديم الطلب بشرط دفع الرسوم السنوية المقررة في اللوائح.
المطلب الثاني :- حماية براءة الاختراع:
     أن براءة الاختراع تعتبر من الحقوق التي لها قيمة مالية وهى تعتبر أحد عناصر المشروع التجاري المصنع الذي يقوم بتصنيعها وتسويقها لذا كان من الطبيعي حمايتها من الاعتداء عليها والحماية قد تكون حماية مدنية وقد تكون  حماية جنائية : أما الحماية المدنية فإنه يجوز لكل صاحب حق في براءة الاختراع  اللجوء الي المحكمة المختصة عن طريق رفع دعوى ما يعرف بدعوى المنافسة غير المشروعة في مواجهة أي شخص قام بالاعتداء على براءة الاختراع كان يقوم بتصنيع الاختراع بدون إذن من صاحب الحق أو يقوم بتقليده الأمر الذي يؤثر في مستوى إقبال المستهلكين على شراء المنتج محل براءة الاختراع وإذا أثبت المدعي دعواه أمام المحكمة فإنها تحكم له بالتعويض المناسب مع الأمر بإزالة التعدي.
   أما الحماية الجنائية فإنها تكون وتتوفر مقتضياتها في مواجهة أي شخص يقوم باعتداء مقصود على براءة الاختراع فيجب أن يتوفر سوء القصد لدى المتهم بحيث يكون بسبب اعتدائه على براءة الاختراع قد حقق لنفسه كسباً غير مشروع وسبب للشاكي صاحب الحق في البراءة خسارة غير مشروعة.
المحكمة  المختصة :
تختص محكمة الخرطوم التجارية وحقوق الملكية الفكرية بالنظر في المخالفات المدنية والجنائية الناتجة عن قانون براءات الاختراع لسنة 1971م وذلك وفقاً لما جاء في أمر تأسيسها الصادر من السيد / رئيس القضاء بتاريخ 28/2/2002 م .
   والجدير بالذكر أنه في عام 2004م قام السيد/ وزير العدل بإصدار أمر تأسيس النيابة التجارية فقد جاء في أمر تأسيس النيابة المذكورة والصادر بتاريخ 18/9/2004م أنها تختص بالتحري والتحقيق واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م أو أي قانون آخر ذي صلة وذلك بالنسبة للمخالفات والدعاوى والشكاوى المتعلقة بموجب قانون براءة الاختراع لسنة 1971م وذلك من ضمن قوانين أخرى.

















(1) الملكية الفكرية ، أ. حسام أحمد حسين مكي ، ص 63. 
(1) الملكية الفكرية ، منظمة التجارة العالمية والدول النامية ، كارلوس م كوريا ، ترجمة أ. د. السيد أحمد عبدالخالق – دار المريخ – ص 75.       
(2) المرجع السابق – ص 76.
(3) المرجع السابق – ص78. 
(1) المرجع السابق – ذات الصفحة.
(1) المرجع السابق ، ص80. 
(1) المرجع السابق – ص 81- 82. 
(1) المرجع السابق ، ص85.
(1) المرجع السابق ، ذات الصفحة.   

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016


                                   بسم الله الرحمن الرحمن 
                             مصادر القانون التجارى ونطاق تطبيقه 
المبحث الأول : مصادر القانون التجاري:
       مصادر القانون التجاري هي التشريع والعرف والعادات التجارية والقانون المدني والقضاء والفقه التجاري وسنتناولها فيما يلي بإيجاز ثم نختم هذا المبحث بتوضيح المصادر الدولية للقانون التجاري وكل ذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: التشريع:
       التشريع هو المصر الأول للقانون التجاري فالمشرع هو الذي يقوم بإصدار التشريعات والقوانين والتي تصبح سارية بعد نشرها في الجريدة الرسمية[1].
       وفي السودان أصدر المشرع العديد من التشريعات التي تحكم العمل التجاري ومنها على سبيل المثال قانون الكمبيالات لسنة 1917م وقانون الشركات لسنة 1925م وقانون الإفلاس لسنة 1929م. وغيرها من التشريعات[2].
المطلب الثاني: العرف:
       إن القانون التجاري نشأ في إيطاليا نتيجة للأعراف التي كانت سائدة في مدنها، ولا زال العرف هو أحد المصادر الأساسية للقانون التجاري. والعرف التجاري هو: (مجموعة من العادات التجارية تواتر العمل بها حتى أصبح الاعتقاد في أذهان التجار بضرورة أخذها والالتزام بها ؟؟؟ النص عليها في العقد أو في القانون)[3].
       والعرف إما أن يكون عرفاً خاصاً بتجارة معينة أو أن يكون عرفاً عاماً يحكم جميع المعاملات التجارية، كما أنه يمكن أن يكون عرفاً شاملاً لكل البلاد ولهذا يقوم العرف الخاص على العرف العام والعرف المحلي على العرف الشامل للدولة، كما يمكن أن يوجد عرف دولي يسري في عدة دول بشأن نظام تجاري معين[4].
       والأمثلة على القواعد العرفية كثيرة منها قاعدة افتراض التضامن بين المدنيين في المعاملات التجارية، وقاعدة عدم جواز تجزئة الحساب التجاري وقاعدة الاكتفاء بإنذار المدين بخطاب عادي من ثم إنذاره بورقة رسمية[5].
المطلب الثالث: العادات التجارية:
       يقصد بالعادة التجارية (اعتبار الأفراد على إدراج شرط معين في عقودهم وغير مخالف للنظام العام والآداب. بحيث يمكن القول بوجود هذا الشرط ضمناً دون النص عليه صراحة في العقود نتيجة استقراره في المعاملات التجارية وتسمى هذه بالعادات الاتفاقية)[6].
الفرق بين العرف والعادة:
       تتمثل الفروقات بين العرف والعادات فيما يلي[7]:
1.     العرف التجاري ملازم للطرفين ما لم يتم الاتفاق صراحة على استبعاده فهو يطبق ولو ثبت عدم علم المتعاقدين بوجوده. أما العادة التجارية فإن إلزاميتها مستمدة من رضاء المتعاقدين بها صراحة أو ضمناً.
2.     يعتبر تطبيق العرف التجاري مسألة قانونية لذا فإن تطبيقه يعتبر خطأ في تطبيق القانون وبالتالي يوجب نقض الحكم. أما تطبيق العادة التجارية فيعتبر من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها ما في الموضوع والخطأ في تطبيقه لا يوجب نقض الحكم.
3.     إثبات وجود العرف التجاري يقع على من يتمسك به، كما أنه يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه الخاص في هذا الأمر دون أن يطلب ذلك الأطراف في المسألة محل النزاع. أما العادة التجارية فإن عبء إثباتها يقع على من يتمسك بها لوحده ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه الشخصي بها ويتم إثباتها بكافة طرق الإثبات.

أهمية العادات الاتفاقية التجارية:
       تعود أهمية العادات الاتفاقية التجارية في مجال العمل التجاري لأمرين[8]:
الأول: السرعة التي تميز العمل التجاري تؤدي إلى أن يقوم التجار بعدم تضمين العقود التي يبرمونها لكل الشروط التي تحكم معاملاتهم التجارية لعدم توفر الوقت الكافي لديهم، لذلك يتم الأخذ بالعادات الاتفاقية التجارية نسبة لانصراف إرادتهم الضمنية لها .
ثانياً: أن العادات الاتفاقية التجارية خاصة بالتجار وهم عادة يتعاملون بها فلا حاجة إلى أن ينصوا عليها في العقود التي يبرمونها التي تكون متصلة بنشاطهم التجاري.
       ومن أمثلة العادات الاتفاقية التجارية إنقاص الثمن بدلاً من فسخ البيع إذا كانت البضاعة محل البيع أقل جودة من المتفق عليها أو كانت كميتها أقل من الكمية في عقد البيع. وكذلك جرى العمل على إتباع مسلك معين في حزم البضائع في بعض البيوع التجارية. وكذلك جرت العادة أن السكوت الطويل عن الرد على الإيجاب الصادر من الطالب للبضاعة من شركة أو مصنع معين يعتبر قبولاً للإيجاب في المسائل التجارية[9].
المطلب الرابع للقانون المدني:
       القانون المدني هو الشريعة العامة التي تحكم العلاقات الخاصة بين الأفراد فيما لم يرد بشأنه في أي قانون آخر. فيجب على القاضي إذا لم يجد أي نص في القانون التجاري أو العرف التجاري يحكم النزاع المطروح أمامه يقوم بتطبيق أحكام القانون المدني باعتباره الشريعة العامة كما ذكرنا سابقاً[10].
المطلب الخامس: القضاء:
       يعتبر القضاء من المصادر التفيسرية للقانون التجاري وهو من قبيل المصادر الاستثنائية – والمقصود بالقضاء مصدر تفسيري للقانون التجاري مجموعة الأحكام والحلول القضائية المستقر عليها في حل المنازعات التجارية المعروضة على المحاكم[11].
       والقاضي هو الذي يقوم بتطبيق القانون لذا فهو الذي يستطيع الوقوف على مواطن العجز والنقص ومواضع العيوب التي تجعل النص التجاري غير واضح أو غير كاف في حكم بعض المعاملات التجارية كما أن القضاء يقوم بدور كبير في تحديد بعض الأعراف والعادات التجارية[12].
المطلب السادس: الفقه التجاري:
       يقصد بالفقه التجاري (مجموعة آراء الفقهاء المتخصصين في القانون التجاري والذين يقومون بدراسة وتفسير وتحليل أحكامه)[13]
       والفقه من المصادر التفسيرية للقانون التجاري كما هو الحال بالنسبة للقضاء وهو من المصادر التي يستأنس بها القاضي في الوصول إلى الحكم في النزاع التجاري المعروض عليه وهو مصدر اختياري بالنسبة للقاضي كما أن الفقه يساعد المشرع في تفسير القواعد التشريعية وبيان العيوب أو النقص الذي قد يشوب هذه القواعد كما يساعد في إيجاد المعالجات والحلول لها. والفقه التجاري له دور كبير في إثبات القواعد العرفية التي تحكم التعاملات التجارية كما يقوم بتفسيرها[14].
المطلب السابع: المصادر الدولية للقانون التجاري:
       لا شك أن التجارة عندما بدأت – ولا زالت – قد اكتسبت الصفة الدولية لذا كثيراً ما يثور التنازع بين القوانين الدولية والمحلية في المجال التجاري وهذا الأمر أدى إلى التفكير في توحيد قواعد القانون التجاري لتفادي حالات التنازع بين القوانين وبالتالي تنعم التجارة بالاستقرار والثقة والطمأنينة، وقد بدأ هذا التفكير في نهاية القرن التاسع عشر وصولاً لهذا الهدف نشأت بعض الهيئات التي أخذت على عاتقها العمل على توحيد أحكام القانون التجاري في لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ومنها معهد توحيد القانون الخاص بروما، ومنها غرفة التجارة الدولية وغيرها من المنظمات والهيئات[15].


المبحث الثانى : نطاق تطبيق القانون التجاري:
       إن تحديد نطاق تطبيق القانون التجاري ليس بالأمر السهل وذلك لأن هذا الأمر يحتاج إلى تحديد الحدود الفاصلة بين القانون التجاري والقانون المدني حيث أن هذه الحدود غير واضحة في كثير من الأحيان إذ أن كل منهما يتأثر بالآخر ويؤثر فيه زماناً ومكاناً نظراً لتأثر الوقائع التي تطبق عليه أحكامها بالظروف الاجتماعية والاقتصادية داخل كل دولة[16].
       ولتوضح الحد الفاصل بين القانون التجاري والقانون المدني وبالتالي تحديد نطاق تطبيق القانون التجاري كقانون مستقل وقائم بذاته عن القانون المدني ظهرت نظريتين مختلفتين هما النظرية الشخصية والنظرية المادية (العينية) وقد أخذ بهما الفقهاء لتوضيح نطاق تطبيق القانون التجاري وسوف نقوم فيما يلي بدراسة هاتين النظريتين يإيجاز على النحو التالي:
المطلب الأول: النظرية الشخصية:
       تقوم هذه النظرية على جعل التاجر أساساً لتحديد نطاق تطبيق القانون التجاري ومعنى هذا أن الشخص الذي قام بالعمل التجاري إذا كان تاجراً طبقت عليه أحكام القانون التجاري، وإذا لم يكن تاجراً أخرج من نطاق تطبيق القانون التجاري ولو كان العمل الذي قام به هذا الشخص عملاً تجارياً[17].
       وهذه النظرية تتفق مع نشأة القانون التجاري فهو قد نشأ في بادئ الأمر قانوناً شخصياً خاصاً بالتجار تكون من الأعراف والعادات التي كانت تتبعها طائفة التجار في القرون الوسطى وخاصة في ألمانيا وسويسرا وإيطاليا[18]
       ويؤخذ على هذه النظرية أنها غير دقيقة لأنه ليس من السهل إيجاد ضابط دقيق يفرق بين التاجر وغير التاجر عن طريق تحديد الحرفة التجارية التي تكسب من يزاولها صفة التاجر كما أنه يصعب على المشرع تحديد الحرف التجارية تحديداً جامعاً لها كلها مانعاً لها من الاختلاط بغيرها من الحرف[19].
       كما أن هذه النظرية تواجه صعوبة أخرى هي تحديد معنى الحرفة إذ أنه لا يكون تاجراً خاضعاً لأحكام القانون التجاري أن يكون محترفاً لعمل التجاري لذا وجب تحديد معنى هذه الحرفة وهو أمر لا يخلو من الصعوبة[20].
       كما أن التاجر بجانب قيامه بعمله التجاري يقوم بأعمال مدنية أخرى لا صلة لها بنشاطه التجاري فهو يتزوج ويطلق ويشتري ويبيع لغير أغراض التجارة أو غير ذلك من الأعمال اللازمة لمعاشه والتي يمكن أن يقوم بها أي شخص، والمنطق يقضي بعدم سريان أحكام القانون التجاري على هذه الأعمال حتى ولو صدرت من تاجر[21].
       كما أن غير التاجر قد يقوم بعمل تجاري بقصد المضاربة وتحقيق الربح الأمر الذي يقتضي بإخضاعه لأحكام القانون التجاري ومن غير المقبول إخضاعه لأحكام القانون المدني بحجة أنه غير تاجر.[22]
المطلب الثاني: النظرية المادية (العينية):
       تقوم هذه النظرية على جعل العمل التجاري هو الأساس الذي يحدد نطاق تطبيق القانون التجاري وذلك بغض النظر عن صفة القائم به، فالقانون التجاري بهذا المعنى يطبق على العمل التجاري ولو كان القائم به شخصاً غير تاجر – ووفقاً لهذه النظرية فإنه لا يشترط لتطبيق أحكام القانون التجاري أن يتكرر وقوع العمل الذي يعد تجارياً فيكفي أن يقوم به الشخص مرة واحدة ولو كان غير تاجر[23]
        ونجد أن المشروع المصري في قانون التجارة لسنة 1999م قد جمع بين النظرية الشخصية والنظرية المادية لتوضيح نطاق تطبيقه فقد جاء فيه أنه يطبق على الأعمال التجارية وعلى كل شخص طبيعي أو اعتباري تثبت له صفة التاجر.[24]
       ونجد أن المشروع الأردني قد أخذ بالنظرية المادية إذ أنه جعل العمل التجاري هو الأساس الذي تقوم عليه قواعد القانون التجاري دون اعتبار لصفة القائم به إلا في حدود استثنائية[25].






































[1]  القانون التجاري – د. محمد توفيق السعودي – مرجع سابق ص 24
[2]  مبادئ القانون التجاري – د. مصطفى حلمي عابدين – مرجع سابق – ص24
[3]  القانون التجاري – د. محمد توفيق السعودي – مرجع سابق ص 27
[4]  المرجع السابق – ص 28
[5]  المرجع السابق – ص29
[6]  المرجع السابق – ص 20
[7]  المرجع السابق – ص 32 - 33
[8]  المرجع السابق – ص 21
[9]  المرجع السابق – ص21 / 32
[10]  المرجع السابق – ص31
[11]  المرجع السابق - 35
[12]  المرجع السابق – ذات الصفحة
[13]  المرجع السابق – ص37
[14]  المرجع السابق – ص37
[15]  المرجع السابق – ص38
[16]  شرح القانون التجاري – د. عزيز العكيلي – مرجع سابق – ص7  / القانون التجاري – د. محمد توفيق سعودي – مرجع سابق – ص41
[17]  المرجع السابق – ص42
[18]  مبادئ القانون التجاري – د. كمال مصطفى طه – ط1 1963م – ص27
[19]  شرح القانون التجاري – د. عزيز العليكي – مرجع سابق – ص8 / القانون التجاري – د. محمد توفيق سعودي – مرجع سابق – ص43
[20]   شرح القانون التجاري – د. عزيز العليكي – مرجع سابق – ص9
[21] المرجع السابق – ذات الصفحة / القانون التجاري –  د. محمد توفيق سعودي – مرجع سابق – ص43
[22]  المرجع السابق – ذات الصفحة
[23]  المرجع السابق – ص 42/13  / شرح القانون التجاري – د. عزيز العليكي – مرجع سابق – ص10
[24]  القانون التجاري – د. محمد توفيق سعودي – مرجع سابق – ص 44 – 45  
[25]  د. عزيز العليكي – مرجع سابق – ص13