الأحد، 17 أبريل 2016

الإحتكار والمنافسة غير المشروعة  :-
       الإحتكار هو أحد أهم صور المنافسة غير المشروعة وقد عرفه قانون تنظيم المنافسة ومنع الإحتكار لسنة 2009م في المادة الثانية بأنه يقصد به الهيمنة على السوق بإمتلاك أي منشأة أو أكثر بقوة السوق المهمين مما يتيح إبعاد المنافسين ورفع الأسعار فوق المستوى التنافسي محلياً أو إقليمياً أو دولياً ومن خلال التعريف السابق نجد أن الإحتكار يتم بواسطة إمتلاك منشأة أو أكثر بقوة السوق المهيمن بشأن بضاعة أو خدمة أو مجموعة من البضائع والخدمات ويكون ذلك بالآتي :
أ/ إبعاد المنافسين من سوق البضائع والخدمات محل الإحتكار
ب/ رفع الأسعار فوق المستوى التنافسي محلياً أو إقليمياً أو دولياً.
      وكذلك نجد ان المادة الثابتة من قانون حظر سلعة السكر لسنة 2001م عرفت الإحتكار بأنه يقصد بـ(إحتكار سلعة) الحصول والسيطرة على سلعة بهدف التحكم في أسعارها وتوزيعها.
       وقد عرف الفقه الإحتكار بأنه يعني هيمنة منشأة على حصة ضخمة من إنتاج أي سوق تمكنها من فرض سيطرتها بشكل فعال على مجمل إنتاج ذلك السوق وبالتالي إمكان زيادة أرباحها بتخفيض هذا الإنتاج ([1])                               
       ونشير هنا إلى أن المحاكم الأمريكية في معظم الأحكام الصادرة منها قد قررت وجوب توفر عنصرين أساسيين للتأكد من وجود الإحتكار غير المشروع من عدمه وهما :   ([2])       
العنصر الأول : إمتلاك المنشأة لقوة إحتكارية بمعنى أن يكون للمنشأة قوة تمكنها من الهيمنة والسيطرة على معظم إنتاج السوق المنافس وبالتالي تتوفر لها القدرة على تخفيض الإنتاج ورفع الأسعار ولمعرفة السوق المنافسة ينبغي توفر الشروط التالية :  
أ/ إرتفاع حصة المنشأة في السوق ويمكن معرفة هذه الحصة عن طريق قسمة إنتاج المنشأة محل البحث على مجموع إنتاج المنشآت الأخرى في ذات السوق.
ب/ إنخفاض مرونة العرض والطلب فحتى يمكن القول أنه توجد السوق المنافسة لابد أن تنخفض مرونة العرض والطلب.
ج/ بطء بدائل العرض والطلب ويجب مراعاة سرعة دخول المنشآت الجديدة إلى الأسواق مع المنشآت المحتكرة والوقت الذي يتطلبه زبائن هذه المنشأة لتغيير إتجاهاتهم وأذواقهم والإتجاه للمنشآت المنافسة.
د/ تميز الموقع الجغرافي للسوق فهذا الشرط يعتبر من أهم الشروط التي تحدد السوق المنافسة وذلك لان قدرة المنشأة ورغبتها في تخفيض الإنتاج وفرض الأسعار في نطاق جغرافي معين عادة لا تقابلها رغبة من المستهلكين من خارج هذا النطاق الجغرافي.
العنصر الثاني: قيام المنشأة بإتخاذ عدد من الإجراءات التي تتعلق بسعر أو حجم الإنتاج وذلك بهدف المحافظة على الإحتكار دون أن تكون هذه الإجراءات تعكس أي تطور أو تميز في السلعة.
       ونرى أن ما ذكر سابقاً قابل للتطبيق في المحاكم السودانية وذلك لأن للإحتكار معنى واحد في كل دول العالم وهو يشكل أساساً صالحاً للمحاكم السودانية وللفقه السوداني للإنطلاق منه حتى يكون هناك إرث قضائي وقانوني خاص بالإحتكار في السودان.
ويجب ملاحظة أن السلوك الإحتكاري قد يستتر خلف سلوك مشروع وذلك مثل الإندماج الرأسي أو تخفيض الأسعار أو جمع البراءات فأما الإندماج الرأسي فهو إكتفاء المنشأة التجارية ذاتياً عن طريق عدم شراء سلعة أو خدمة من المنتجين في الأسواق وذلك بأن تقوم المنشأة بإنتاج هذه السلعة أو تقديم الخدمة بنفسها الأمر الذي يؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج. وأما خفض الأسعار فيتم عن طريق إتباع المنشأة لأسلوب معين يهدف لرفع الأسعار للمادة الخام أو المادة نصف المصنعة التي يبيعها لمنشآت أخرى مستقلة مما يؤدي إلى إرتفاع سعر السلعة التي تصنع من هذه المواد، في حين تقوم المنشأة التي تبيع المادة الخام أو نصف المصنعة إلى تصنيع وإنتاج ذات السلعة التي تنتجها المنشآت المنافسة لها ثم تقوم بطرحها في الأسواق بسعر منخفض مما يؤدي إلى إنسحاب المنشآت المنافسة من الأسواق الأمر الذي يؤدي إلى إرتفاع أرباح المنشأة الموردة للمواد الخام الأولية.
وأما جمع براءات الإختراع فإنه من حق أي منشأة السعي إلى الحصول على حق إستغلال أي براءة إختراع بالطرق والوسائل المشروعة لمدة محددة، ولكن نجد أن القانون الأمريكي يحرم تراكم براءات الإختراع لدى منشأة واحدة مع إرتباط هذه البراءات ببعضها البعض وذلك بهدف ضمان إستمرار إحتكار قائم أو توسيع نطاقه أو الإحتفاظ بوضع متميز في الأسواق لفترات طويلة. ([3])   
وقد حظر قانون تنظيم المنافسة ومنع الإحتكار لسنة 2009م في المادة الخامسة منه  بعض الأعمال وأعتبرها مسلكاً إحتكارياً وقد نصت هذه المادة على الآتـي : 
1/ خفض أو رفع أو التحكم في سعر بيع سلع أو خدمات.
2/ تقييد إنتاج السلع وتصنيعها وتوزيعها أو تسويقها أو الحد من الخدمات أو
   وضع قيود عليها.
3/ تجزئة أو توزيع أي سوق قائم أو محتمل لسلع أو خدمات على أساس جغرافي أو مستهلكين أو موزعين أو فترة زمنية محددة على أساس آخر بغرض الهيمنة.
4/ التنسيق فيما بينها بتقديم عطاءات في المناقصات أو الممارسات وسائر عروض طلب توريد السلع أو تقديم خدمات أو الإمتناع عن تقديمها وإقتسام ما ينتج عن ذلك من عائد.
5/ قيام منشآت منافسة بالإتفاق بغرض الضغط على المستهلك أو المورد لإجباره على التصرف بشكل معين.  
6/ القيام بأي من أعمال أو تصرفات بغرض تقييد حرية الإشتراك في إنتاج أو تطوير أو توزيع السلع أو الخدمات عن طريق الإتفاق بين المنشآت المنافسة أو غير المنافسة.
وكل ماذكر من أفعال يعتبر نوعاً من أنواع الإحتكار أو هو مسلك إحتكاري ونرى أن ما جاء في المادة الخامسة المذكورة قد جاء على سبيل المثال وليس الحصر للسلوك للإحتكاري وذلك لأن أي فعل توفرت فيه شروط السيطرة والهيمنة على سوق السلعة أو الخدمة بهدف أبعاد المنافسين ومن ثم التحكم في الاسعار ورفعها فوق المستوى التنافسي يعد مسلكاً إحتكارياً.
معيار المركز الإحتكاري :           
         معيار المركز الإحتكاري يعتمد بصورة عامة على قدرة التاجر على السيطرة على السوق والتحكم في أسعار السلعة أو الخدمة وقد تناولت عدد من القوانين في عدد من دول العالم هذا الموضوع فمثلاً في أمريكا نجد أن المحكمة العليا قد قضت في دعوى Untelstat American tobacoo بأن المعول عليه لقيام المركز الإحتكاري هو القدرة على رفع الأسعار أو تفادي المنافسة عند الرغبة في ذلك وليس الإقصاء الفعلي للمنافسين. ([4]) ويتبين لنا من خلال هذا الحكم أن مجرد إمتلاك القدرة على رفع الأسعار أو مجرد القدرة على إبعاد المنافسين الآخرين من السوق عند الرغبة في ذلك يعد مركزاً إحتكارياً ، وليس بالضرورة حدوث ما ذكر فعلياً.
       أما في القانون الأوربي فإن المركز الإحتكاري يعرف بإسم "المركز المسيطر" ولم يقم القانون المذكور بتعريفه ولكن نجد أن محكمة العدل الأوربية قد قامت في أحد الأحكام الصادرة عنها بتعريفه بأنه (مركز يؤهل الملتزم أو الملتزمون مقدرة إقتصادية يتمكن بواسطتها من تفادي المنافسة الفعالة في السوق من خلال إعطاء هذا التاجر المقدرة على التصرف إلى حد معقول بالإستقلال عن منافسيه وعملائه، ويظهر هذا المركز بسبب كبر حجم الحصة في السوق أو تحقق هذه الحصة مع المهارة الفنية والمواد الأولية أو رأس المال بما يمكنه من تحديد الأسعار أو السيطرة على الإنتاج أو التوزيع في جزء كبير من السلعة محل النظر. ([5])                                            
       أما في القانون المصري نجد أن المشرع قد حدد عدد من الظواهر والممارسات التي تؤدي إلى الإخلال بالمنافسة الحرة وإساءة إستغلال المركز الإحتكاري منها الإندماج والإستحواذ والسعي إلى السيطرة على السوق ، وسياسة التلاعب والتحكم بأسعار المنتجات. ([6])                                              
أما في القانون السوداني فنجد أن المادة الثانية من قانون تنظيم المنافسة ومنع الإحتكار لسنة 2009م قد عرفت (مركز قوة مهيمن) (يقصد به سيطرة منشأة ما بمفردها أو بالتضامن مع منشآت أخرى على السوق المعنى بشأن بضاعة أو خدمة أو مجموعة من البضائع أو الخدمات) وقد عرف ذات القانون في ذات المادة المذكورة سابقاً عبارة (السوق المعنى) بأنه يقصد بها المنطقة الجغرافية المعينة التي تم فيها تقييد المنافسة للسلع أو الخدمات وتشمل جميع المنتجات والخدمات التي يمكن الحصول عليها بأسعار معقولة! ومن خلال ما تقدم نجد أن المركز الإحتكاري في القانون السوداني يقوم على سيطرة منشأة منفردة أو بالتضامن مع منشآت أخرى على السوق فيما يتعلق ببضاعة أو خدمة أو مجموعة من البضائع والخدمات في منطقة جغرافية محددة ومثال ذلك سيطرة شركة إتصالات واحدة على تقديم خدمة الهاتف السيار في منطقة الخرطوم فقط أو سيطرة منشأة تعمل في مجال بيع سلعة السكر على سوق هذه السلعة في ولاية الجزيرة وهكذا ويجب الأخذ في الإعتبار أن هذه السيطرة يجب أن تقوم على القدرة على إبعاد المنافسين والتحكم في أسعار البضاعة أو الخدمة ومن ذلك نجد أن المركز الإحتكاري في السودان يقوم على السيطرة الفعلية ولا يأخذ بالسيطرة المحتملة ، هذا وقد نصت المادة 6 من قانون تنظيم المنافسة ومنع الإحتكار لسنة 2009م على أنه :
1] يحظر على أي شخص القيام بأي من التصرفات أو الأعمال التي يكون بموجبها مركز قوة سوق معنى.
2] مع عدم الإخلال بعموم ما تقدم تعتبر الأعمال والتصرفات الآتية مركز قوة سوق معنى :
أ/ إبرام العقود والإتفاقيات التي تؤثر تأثيراً فاعلاً على السوق المعني.
ب/ منح حقوق إستثنائية لتوزيع السلع والخدمات في منشأة تكون هذه الحقوق مقصورة عليها سواء كانت تلك الحقوق تتعلق بالموقع الجغرافي أو بالمستهلكين أو بمدة زمنية أو على أساس آخر.
ج/ إلزام منشأة لأخرى منافسة لها بعدم إنتاج سلعة معينة أو تصنيفها أو إستخدامها أو تطويرها أو توزيعها أو تسويقها أو تقديم خدمات معينة.
د/ قيام منشأة بتحديد السعر أو الشروط التي تقوم بمقتضاها منشأة أخرى غير منافسة لها ببيع السلع أو تقديم الخدمات.                                                       
هـ/ قيام منشأة ببيع سلعة أو خدمة لمنشأة أخرى إذا كان البيع مشروطاً بإلزام المشتري بشراء سلع أو خدمات إضافية مختلفة في المنشأة البائعة او من منشأة أخرى أو بعدم شراء سلع أو خدمات معينة من منشأة أخرى.
و/ قيام منشأة بيع منتجاتها بأقل من التكلفة المحددة بواسطة الجهة المختصة.      
ز/ التمييز في الأسعار بإجراء معاملات خاصة وتفصيلية للمشتري.
       ومن خلال الإستعراض السابق نجد أن القانون السوداني قد فصل في بيان الأفعال التي تجعل من الشخص أو المنشأة مركز قوة سوق (مركز إحتكاري) وهذا أمر محمود وذلك لأن كل ما جاء بالمادة السادسة والمذكورة سابقاً تصلح أن تكون محلاً لفعل منافسة غير مشروعة وتدل على وجود مركز إحتكاري للشخص أو المنشأة التي قامت بها.
       وفي ختام هذا المبحث نشير إلى أن قانون تنظيم المنافسة ومنع الإحتكار لسنة 2009م قد نص على عبارة (مركز قوة مهيمن  في السوق) في المادة الثانية منه ثم جاء في المادة السادسة منه وذكر عبارة (مركز قوة سوق معنى) والمقصود من العبارتين معني واحد وهذا أمر يدل على  خلل في الصياغة الأمر الذي يعني إعادة النظر فيه.
وكذلك نجد أن المشرع السوداني قد أصدر قانوناً حظر بموجبه إحتكار سلعة السكر في عام 2001م حيث نص في المادة الثالثة منه على أنه على الرغم من أحكام إى قانون آخر أو أمر صادر بموجبه يحظر إحتكار سلعة السكر ويعد كل شخص أو جهة يحتكر سلعة السكر مرتكباً لجريمة ويعاقب عليها وفقاً لأحكام المادة الرابعة من القانون (وقد حددت المادة الرابعة المذكورة سابقاً العقوبة بالسجن مدة لا تتجاوز سنتين أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً مع مصادرة السلعة موضوع الجريمة)
ونشير هنا الى انه صدر مؤخرا فى ولاية الخرطوم قانون تنظيم التجارة وحماية المستهلك لسنة 2012م وهو قانون يتكون من 23 مادة حيث تناول الفصل الاول اكام تمهيدية وتناول الفصل الثانى الادارة العامة للتجارة ونظم الفصل الثالث الاداة العامة لشئون المستهلك وتناول الفصل الرابع اكام عامة ولعل مما يحمد لهذا القانون انه انشا ادارات متخصصة تهتم بامر التجارة وشئون المستهلك ولكن من الملاحظ ان هذا القانون لم ياتى به نص يحرم انواع عديدة من الممارسات الت تحدث فى التجارة وتضر بالمستهلك وذلك على نحو ماذكرناه فى الفصل الاول من هذا البحث وكذلك لم يشر هذا القانون الى قانون تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار لسنة 2009م وهو قانون اتحادى ويعاج ذات موضوعه خاصة فيما يتعلق بمجلس المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية  الامر الذى يبرر اعادة النظر فى القانون .    وقد عرف فى المادة 3 منه الاحتكار بانه يقصد به الهيمنة على السلعة مما يتيح استبعاد المنافسين ورفع الاسعار فوق المستوى التنافسى . ومن التعريف المزكور سابقا نجد ان الهدف من الاحتكار هو :ـ
1/ ابعاد المنافسين من السوق ويجب ملاحظة ان السوق القصودهو سوق السلعة محل الاحتكار .
2/رفع اسعار السلعة محل الاحتكار فوق المستوى التنافسى.
وقد حظرت المادة 21 من القانون المزكور سابقا الاحتكار حيث جاء فيها مايلى :ـ يحظر ابرام أى اتفاق أو عقد اى ترتيبات او تدابير سواء كانت متوبة او شفهية او غير ذلك بين اشخاص او نشآت او اتيان اى تصرف او قرار او مسلك تجارى بغرض الاحتكار فيما يتعلق بالآتى :ـ
أ/ رفع او التحكم فى سعر بيع اوشراء السلع او الخدمات .
ب/ تقييد انتاج السلع وتصنيعها وتوزيعها او تسويقها او الحد من الخدمات او وضع قيود عليها .
ج/ تجزئة او توزيع اى سوق قائم او محتمل لسلع او خدمات على اساس جغرافى او مستهلكين او مورديناو فترة زمنية محددة بغرض الهيمنة .
د/ التنسيق فيما بينهم بتقديم عطاءات فى المنافسات والممارسات وسائر عروض طلب او توريد سلع او خدمات او الامتناع عن تقديمها واقتسام ماينتج عن ذلك من عائد .
ه/قيام منشآت منافسة او غير منافسة بالاتفاق بغرض الضغط على المستهلك او المورد لاجباره على التصرف بشكل معين .
و/ القيام باى اعمال او تصرفات تعوق حرية الاشتراك فى انتاج او تطوير او توزيع السلع او الخدمات عن طريق الاتفاق بين المنشآت المنافسة او غير المنافسة .




[1]. وسائل مكافحة الإحتكار في القانون الأمريكي مع نقد لمشروع القانون المصري لحماية المنافسة ، د. منى جمال الدين محمد محمود ، بحث منشور في كتاب القانون التجاري في ثوبه الجديد ، مرجع سابق ، ص 174.   
[2]. المرجع السابق ، ص 174 -175
[3]. المرجع السابق ، ص 176 -177. 
[4]. عمر سلمان ، مرجع سابق ، ص 434.
[5]. المرجع السابق ، ذات الصفحة.
[6]. المرجع السابق ، ص 433.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق