الخميس، 28 أبريل 2016

                                   دعوى المنافسة غير المشروعة 
الأصل أن حق مزاولة العمل التجاري هو حق مكفول لكل شخص بشرط أن تتوفر في هذا الشخص الشروط القانونية التي تجعله أهلاً لمزاولة مثل هذه الأعمالِ، وكذلك نجد أن المنافسة بين التجار في مجال الأعمال التجارية أمر مشروع ومحمود ولا قيد عليها سوى مراعاة العرف والعادات التجارية المتعارف عليها في الوسط التجاري، ولكن قد تأخذ المنافسة بين التجار صوراً غير مشروعة تؤدي إلى زعزعة الإستقرار في المعاملات التجارية وذلك كإتباع بعضهم لأساليب ووسائل غير قانونية تتعارض مع مبدأ الأمانة والنزاهة والمطلوب توافرها في المعاملات التجارية ، أو تتعارض مع الأعراف والعادات المتعارف عليها في الوسط التجاري، وقد تؤدي هذه المنافسة غير المشروعة إلى إلحاق الضرر ببعض التجار ولهذا يجوز لكل تاجر تضرر من أفعال هذه المنافسة أن يلجأ للقضاء لتعويضه عن الضرر الذي أصابه من جراء هذه المنافسة وذلك عن طريق رفع ما يسمى بدعوى المنافسة غير المشروعة([1]).
وتقوم دعوى المنافسة غير المشروعة في القانون السوداني والمصري والأردني وفى بعض  القوانين الأخرى على القواعد العامة للمسئولية التقصيريةِ، فهي عبارة عن دعوى مسئولية غير تعاقدية عن الأفعال الضارة الصادرة عن الغير، لذا يجب أن تتوفر فيها عناصر المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر ، وعلاقة سببية بين الخطأ والضرر([2])، ورفع دعوى المنافسة غير المشروعة لها مدة معينة حددها القانون إذا لم ترفع فيه فإنها تسقط بالتقادم ، لذا سوف نتناول في هذا المبحث في مطلبين كل من أركان دعوى المنافسة غير المشروعة في المطلب الأول وفي المطلب الثاني ندرس متى ترفع دعوى المنافسة غير المشروعة وكل ذلك على النحو التالي:


المطلب الأول: أركان دعوى المنافسة غير المشروعة:
ذكرنا سابقاً أن دعوى المنافسة غير المشروعة تقوم على القواعد العامة للمسئولية التقصرية لذا يجب أن تتوفر فيها عناصرها والتي تتمثل في كل من الخطأ والضرر وعلاقة السببية بين الخطأ الضرر ، وسوف ندرس هذه العناصر على النحو التالي:
أولاًِ: الخطأِ:
عنصر الخطأ في دعوى المنافسة غير المشروعة يتمثل في وجود عمل من أعمال المنافسة غير المشروعة ، ويعتبر العمل من أعمال المنافسة غير المشروعة إذا توفر فيه شرطين هما :
1-      قيام حالة المنافسة.
2-      أن تكون هذه المنافسة غير مشروعة.
وسوف نوضح هذين الشرطين فيما يلي:
الشرط الأولِ: قيام حالة المنافسةِ:
يشترط لتوافر عنصر الخطأ أن تكون هناك منافسة بين مرتكب العمل "المدعى عليه" وبين التاجر المتضرر "المدعي" وتعتبر حالة المنافسة قائمة إذا توافرت الشروط التالية:
1-  أن يقع الفعل محل الدعوى لصالح نشاط تجاري آخرِ، فلابد أن يكون النشاطين قائمين وقت قيام حالة المنافسة، فإذا لم يكن لمرتكب الفعل نشاط تجاري قائم وقت إرتكابه وإنما هدف لتحقيق غرض آخر من وراء قيامه بهذا الفعل فإنه في هذه الحالة لا توجد منافسة غير مشروعةِ. ولكن هناك حالات يكون القصد من القيام بالعمل التنافسي التمهيد لنشاط تجاري سوف يقوم في المستقبل ويهدف إلى جذب عملاء المحل التجاري الذي تعرض للمنافسة إلى المحل التجاري الجديد بمجرد بداية النشاط فيه ففي هذه الحالة تتوفر عناصر المنافسة غير المشروعة بالرغم من عدم قيام النشاط التجاري وقت إرتكاب الفعل([3]).
2-  أن تكون النشاطات التجارية متماثلة ولو في جزء من نشاط التاجر المستهدف بفعل المنافسة إذ أن حالة المنافسة توجد في القدر المشترك بين هذه النشاطات، وكذلك توجد حالة المنافسة إذا كانت النشاطات متشابهة، وذلك لأن الإعتداء في مثل هذه الحالات يؤدي إلى إنصراف عملاء المحل إلى المحل الآخر ، ومثال ذلك أن يقع فعل المنافسة غير المشروعة بين تجار يكون محل تجارتهم  الأقمشة أو الأجهزة الإلكترونية ،   أما إذا كانت الأنشطة مختلفة كأن يكون أحدهما يعمل في تجارة الصابون والآخر يعمل في تجارة الأقمشة فإن حالة المنافسة لا توجد في مثل هذه الحالة([4]).
الشرط الثاني: أن تكون المنافسة غير مشروعةِ:
تعتبر المنافسة غير مشروعة إذا أستخدم التاجر أساليب ووسائل تخالف القانون ، أو العرف التجاري أو العادات التجارية ، أو أستخدم أساليب تخالف مقتضى الأمانة والنزاهة، فالمنافسة في حد ذاتها أمر مشروع بل ومفيد إذا تمت بوسائل مشروعة، فمن حق أي تاجر في أن يجتهد ويعمل على تقديم أفضل الخدمات لعملائه وذلك بأن يوفر لهم أجود أنواع السلع وبأسعار مناسبة، ويعاملهم بأمانة وبأسلوب جميل ، فهذه الأشياء لا تسبب ضرراً لأحد حتى ولو نتج عنها إنصراف عملاء محلات تجارية أخرى إلى محل هذا التاجر ([5]).
              وأعمال المنافسة غير المشروعة كثيرة ومتعددة ولكن نذكرمنها الأعمال التالية على سبيل المثال:
1- الإعتداء على الملكية الصناعية والتجارية:
يعد من أعمال المنافسة غير المسروعة إعتداء التاجر على حقوق الملكية الصناعية والتجارية التي تخص تجار آخرين كإستخدام الإسم التجاري لتاجر آخر، أو العنوان التجاري، أو براءة إختراع ، أو العلامة التجارية ، أو الجوائز والرسوم والنماذج وغيرها من الحقوق .
2- الغش التجاري:
المقصود بالغش التجاري أن يخدع الصانع أو التاجر الناس في حقيقة السلعة والبضاعة التي يعرضها عليهم ، وذلك بأن يخفي حقيقة نوعها ، أو تركيبها ، أو وزنها ، و يترتب على هذا الخداع أن يقبل الناس على شراء السلعة منصرفين عن المحلات التجارية الأحرى الأمر الذي يؤدي إلى بوار تجارة التجار المنافسين فضلاً عن غبن المستهلكين ، فهذا الغش يعد منافسة غير مشروعةِ([7]).
3- الإعلان المؤذي:
لكل تاجر أن يقوم بالإعلان عن تجارته وأن يظهر من خلال هذا الإعلان محاسنها وما تمتاز به من مميزات كالجودة ورخص الثمن وغير ذلك من المميزات ، فهدف الإعلان هو ترغيب الزبائن والعملاء في بضاعة التاجر، ولكن ليس للتاجر تجاوز حدود الترغيب المألوف إلى الطعن الصريح في بضائع منافسيه من التجار وذكر عيوبها حتى ولو كانت هذه العيوب حقيقية لأن ذلك يعتبر تشهيراً بهم الأمر الذي يؤدي إلى تبادل الطعن في السلع مما يؤدي إلى إضطراب المعاملات التجارية([8]).
4- تعطيل إنتاج المنافسين:
والمقصود بتعطيل إنتاج المنافسين أن يستخدم التاجر وسائل وأساليب غير مشروعة تخلق المصاعب والعراقيل في مشروع التاجر المنافس بحيث يتعذر على ذلك التاجر مزاولة تجارته أو يؤدي إلى إضعاف إنتاجه كأن يروج الإشاعات ضده، ويسعى بالفتنة بينه وبين عماله أو يشجعهم على الإضراب للاستفادة من تعطل محله وبالتالي جذب عملائه إلى محلهِ([9]).
وقد يكون التحريض عن طريق إغراء عمال وموظفي المحل المنافس على ترك العمل فيه وإلحاقهم من ثم في العمل معه وذلك بقصد الإستفادة منهم في جذب العملاء لمحله التجاري أو معرفة سر من أسرار أعمال المحل المنافس ، وهذا الأمر يتصور في بعض الأعمال والأنشطة التي تتوقف على مهارة العمال والموظفين سواءً فيما يتعلق بالإنتاج والتوزيع أو الأفعال بالعملاءِ. فكل الأعمال السابقة  تؤدي إلا الاضطراب في مشروع التاجر المنافس وتعتبر منافسة غير مشروعةِ([10]).
5- البيع بالخسارة:
الأصل أن التاجر حر في بيع بضائعه بالثمن الذي يحدده ولو كان بأقل من سعر التكلفة، وقد يحدث ذلك في بعض الأحيان للإعلان أو خوفاً من نزول الأسعار في السوق إلى مستوى متدني، أو خوفاً من فساد البضاعة أو بسبب إنتهاء طرازها ونوعيتها، ولكن إستخدام هذا  الحق -كغيره من الحقوق- يجب أن يتم من غير تعسف يؤدي إلى الإضرار بالآخرين، فإذا قام التاجر بالبيع بأقل من سعر التكلفة بهدف الإضرار بمنافسيه تمهيداً للإحتكار ورفع الأسعار، أو كان يهدف إلى إجراء مقارنة بين الأسعار التي يبيع بها هو والأسعار التي يبيع بها بقية التجار الآخرين فإن كل ذلك يعد من المنافسة غير المشروعة([11]).
ثانياًِ: الضرر:
     دعوى المنافسة غير المشروعة هي دعوى مسئولية غير تعاقدية لذا يجب إثبات الضرر من جانب المدعى ليتم تحديد التعويض بمبلغ الضرر، ويعتبر مجرد وقوع فعل المنافسة غير المشروعة ضرراً يلزم من قام به بالتعويض سواءً ترتب عليها ضرر أم لم يترتب ، وذلك لأن مجرد وقوع هذه الأعمال يعنى  أن الضرر قد وقع ، وذلك لأن القضاء في دعوى المنافسة غير المشروعة يأخذ بالضرر الإحتمالي وذلك خلافاً لقواعد المسئولية التي تتطلب وقوع الضرر فعلاً، وتقوم المحكمة بإزالة  الضرر وهو هنا فعل المنافسة غير المشروعة بالإضافة إلى الحكم بالتعويض ، كما أنها تأمر باتخاذ التدابير الكفيلة يمنع وقوع الضرر الاحتمالي([12]).
ثالثاًِ: رابطة السببية:
توجب القواعد العامة للمسئولية حتى يتم الحكم بالتعويض للمضرور إثبات أن الضرر محل الدعوى ناتج عن الخطأ الذي وقع من المدعى عليه، ولكن ونسبة لصعوبة الصلة بين خطأ المدعى عليه والضرر الواقع على المدعى في دعاوى المنافسة غير المشروعة نجد أن القضاء استثنى هذه الدعاوي من الأخذ بهذا المبدأ وأصبح يستخلص وقوعه من قيام وقائع تؤدي عادةً إلى إلحاق الضرر بالفعل([13]). ونجد أن في أخذ المحاكم بهذا النهج تحقيقاً للعدالة ، ويؤدي إلى أن يضبط التجار تعاملاتهم التجارية الأمر الذي يترتب عليه إستقرارالتعاملات فى السوق التجاري .
 ومتى ثبت للمحكمة  توفر عناصر المسئولية المذكورة سابقاً فإنه يتعين عليها الحكم بالتعويض المناسب للشخص المضرور ، وقد تواجه المحكمة صعوبات عملية في تقدير قيمة التعويض لذلك فإنها تستعين بالخبراء لتقدير قيمة التعويض المناسب، وكذلك للمحكمة أن تأمر بإزالة المخالفة كأن تلزم الشخص المسئول بإزالة الإسم التجاري للمضرور من على واجهة محله التجاري ، أو تلزمه بإضافة ما يميز إسمه التجاري عن الإسم التجاري للتاجر المضرور، كما للمحكمة أن تأمر بإزالة العلامات التجارية المقلدة من على منتجات التاجر المسئول، وللمحكمة كذلك أن توقع غرامة تهديدية على ذلك الشخص عن كل يوم يمتنع فيه عن إزالة المخالفة، و للمحكمة أن تأمر بنشر الحكم في إحدى الصحف على نفقة المحكوم عليه حتى يعلم الكافة بالأساليب غير المشروعة التي إتبعها في مزاولة نشاطه التجاري([14]).
ومما تقدم يتبين لنا مدى أهمية دعوى المنافسة غير المشروعة كسبيل لحماية الأعمال التجارية ، ومدى ما تقوم به من دور فعال في حماية المعاملات التجارية من الأفعال التي تؤدي أو يحتمل أن تؤدي لإضطرابها  والتي تقع من التجار في سياق قيامهم بأعمالهم التجارية.
المطلب الثاني: متى ترفع دعوى المنافسة غير المشروعة:
لقد حدد قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1984م مدة محددة لرفع دعوى التعويض عن الفعل الضار فقد نص القانون المذكور في المادة 159 منه على أنه لا تسمع دعوى التعويض الناشئة عن الفعل الضار بعد إنقضاء خمس سنوات من اليوم الذي يعلم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه ، ولا تسمع هذه الدعوى في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من وقوع الفعل الضار" النص السابق ينطبق على دعوى المنافسة غير المشروعة إذ أنها عبارة عن دعوى تعويض ناتج عن فعل ضار وهو فعل المنافسة غير المشروعة وعليه نجد  أن دعوى المنافسة غير المشروعة تسقط بالتقادم في أي من الحالات التالية:
1-      مرور خمس سنوات على تاريخ علم الشخص المضرور لوقوع الضرروبالشخص السئول عنه .
2-      بمرور خمس عشرة سنة في جميع الأحوال.






[1] - القانون التجاري، دِ. الواثق عطا المنانِ، مرجع سابق، ص199/ مبادئ القانون التجاري، دِ. مصطفى حلمي عابدينِ، مرجع سابق، ص63/ القانون التجاري، د. محمد توفيق سعودي، مرجع سابق، ص377.
[2] - المرجع السابق، ص384/ القانون التجاري، د. الواثق عطا المنانِ، ص199/ مبادئ القانون التجرايِ، د. مصطفى حلمي عابدينِ، مرجع سابق، ص63.
[3] - القانون التجاري، د. محمد توفيق سعودي، مرجع سابق، ص386/ شرح القانون التجاري، د. عزيز العكبلي، مرجع سابق، ص236.
[4] - القانون التجاري، د. محمد توفيق سعودي، مرجع سابق، ص386/387.
[5] - المرجع لسابق، ص387/ القانون التجاري، د. الواثق عطا المنانِ، مرجع سابق، ص200.
[6] - المرجع السابق، ذات الصفحة/ شرح القانون التجاري، د. علي العريف، مرجع سابق، ص70/ القانون التجاري، د. محمد توفيق سعودي، مرجع سابق، ص389.
[7] - شرح القانون التجاري، د. علي العريف، رمجع سابق، ص70/ د محمد توفيق سعودي، مرجع سابق، ص390.
[8] - شرح القانون التجاري، د. علي العريف، مرجع سابق، ص71.
[9] - المرجع السابق، ذات الصفحة/ القانون التجاري، د. محمد توفيق سعودي، مرجع سابق، ص390/ القانون التجاري، د. الواثق عطا المنان، مرجع سابق، ص201.
[10] - المرجع السابق، ص391.
[11] - المرجع السابق، ذات الصفحة/ شرح القانون التجاري، د. علي العوض، مرجع سابق، ص72/ القانون التجاري، د. الواثق عطا المنان، مرجع سابق، ص201.
[12] - مبادئ القانون التجاري، د. مصطفى حلمي عابدين، مرجع سابق، ص66/ القانون التجاري، د. محمد توفيق سعودي، مرجع سابق، ص392-393.
[13] - المرجع السابق، ص394-395/ مبادئ القانون التجاري، د. مصطفى حلمي عابدين، مرجع سابق، ص66.
[14] - القانون التجاري، د. الواثق عطا المنان، مرجع سابق، ص202/ مبادئ القانون التجاري، د. مصطفى حلمي عابدين، مرجع سابق، ص67. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق