بسم الله الرحمن الرحمن
مصادر القانون التجارى ونطاق تطبيقه
المبحث
الأول : مصادر القانون التجاري:
مصادر القانون التجاري هي التشريع والعرف
والعادات التجارية والقانون المدني والقضاء والفقه التجاري وسنتناولها فيما يلي
بإيجاز ثم نختم هذا المبحث بتوضيح المصادر الدولية للقانون التجاري وكل ذلك على
النحو التالي:
المطلب
الأول: التشريع:
التشريع هو المصر الأول للقانون التجاري
فالمشرع هو الذي يقوم بإصدار التشريعات والقوانين والتي تصبح سارية بعد نشرها في
الجريدة الرسمية[1].
وفي السودان أصدر المشرع العديد من
التشريعات التي تحكم العمل التجاري ومنها على سبيل المثال قانون الكمبيالات لسنة
1917م وقانون الشركات لسنة 1925م وقانون الإفلاس لسنة 1929م. وغيرها من التشريعات[2].
المطلب
الثاني: العرف:
إن القانون التجاري نشأ في إيطاليا نتيجة
للأعراف التي كانت سائدة في مدنها، ولا زال العرف هو أحد المصادر الأساسية للقانون
التجاري. والعرف التجاري هو: (مجموعة من العادات التجارية تواتر العمل بها حتى
أصبح الاعتقاد في أذهان التجار بضرورة أخذها والالتزام بها ؟؟؟ النص عليها في
العقد أو في القانون)[3].
والعرف إما أن يكون عرفاً خاصاً بتجارة
معينة أو أن يكون عرفاً عاماً يحكم جميع المعاملات التجارية، كما أنه يمكن أن يكون
عرفاً شاملاً لكل البلاد ولهذا يقوم العرف الخاص على العرف العام والعرف المحلي
على العرف الشامل للدولة، كما يمكن أن يوجد عرف دولي يسري في عدة دول بشأن نظام
تجاري معين[4].
والأمثلة على القواعد العرفية كثيرة منها
قاعدة افتراض التضامن بين المدنيين في المعاملات التجارية، وقاعدة عدم جواز تجزئة
الحساب التجاري وقاعدة الاكتفاء بإنذار المدين بخطاب عادي من ثم إنذاره بورقة
رسمية[5].
المطلب
الثالث: العادات التجارية:
يقصد بالعادة التجارية (اعتبار الأفراد على
إدراج شرط معين في عقودهم وغير مخالف للنظام العام والآداب. بحيث يمكن القول بوجود
هذا الشرط ضمناً دون النص عليه صراحة في العقود نتيجة استقراره في المعاملات
التجارية وتسمى هذه بالعادات الاتفاقية)[6].
الفرق
بين العرف والعادة:
1.
العرف التجاري ملازم
للطرفين ما لم يتم الاتفاق صراحة على استبعاده فهو يطبق ولو ثبت عدم علم
المتعاقدين بوجوده. أما العادة التجارية فإن إلزاميتها مستمدة من رضاء المتعاقدين
بها صراحة أو ضمناً.
2.
يعتبر تطبيق العرف
التجاري مسألة قانونية لذا فإن تطبيقه يعتبر خطأ في تطبيق القانون وبالتالي يوجب
نقض الحكم. أما تطبيق العادة التجارية فيعتبر من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها
ما في الموضوع والخطأ في تطبيقه لا يوجب نقض الحكم.
3.
إثبات وجود العرف
التجاري يقع على من يتمسك به، كما أنه يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه الخاص في هذا
الأمر دون أن يطلب ذلك الأطراف في المسألة محل النزاع. أما العادة التجارية فإن
عبء إثباتها يقع على من يتمسك بها لوحده ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه الشخصي بها
ويتم إثباتها بكافة طرق الإثبات.
أهمية
العادات الاتفاقية التجارية:
الأول:
السرعة التي تميز العمل التجاري تؤدي إلى أن يقوم التجار بعدم تضمين العقود التي
يبرمونها لكل الشروط التي تحكم معاملاتهم التجارية لعدم توفر الوقت الكافي لديهم،
لذلك يتم الأخذ بالعادات الاتفاقية التجارية نسبة لانصراف إرادتهم الضمنية لها .
ثانياً:
أن العادات الاتفاقية التجارية خاصة بالتجار وهم عادة يتعاملون بها فلا حاجة إلى
أن ينصوا عليها في العقود التي يبرمونها التي تكون متصلة بنشاطهم التجاري.
ومن أمثلة العادات الاتفاقية التجارية
إنقاص الثمن بدلاً من فسخ البيع إذا كانت البضاعة محل البيع أقل جودة من المتفق
عليها أو كانت كميتها أقل من الكمية في عقد البيع. وكذلك جرى العمل على إتباع مسلك
معين في حزم البضائع في بعض البيوع التجارية. وكذلك جرت العادة أن السكوت الطويل
عن الرد على الإيجاب الصادر من الطالب للبضاعة من شركة أو مصنع معين يعتبر قبولاً
للإيجاب في المسائل التجارية[9].
المطلب
الرابع للقانون المدني:
القانون المدني هو الشريعة العامة التي
تحكم العلاقات الخاصة بين الأفراد فيما لم يرد بشأنه في أي قانون آخر. فيجب على
القاضي إذا لم يجد أي نص في القانون التجاري أو العرف التجاري يحكم النزاع المطروح
أمامه يقوم بتطبيق أحكام القانون المدني باعتباره الشريعة العامة كما ذكرنا سابقاً[10].
المطلب
الخامس: القضاء:
يعتبر القضاء من المصادر التفيسرية للقانون
التجاري وهو من قبيل المصادر الاستثنائية – والمقصود بالقضاء مصدر تفسيري للقانون
التجاري مجموعة الأحكام والحلول القضائية المستقر عليها في حل المنازعات التجارية
المعروضة على المحاكم[11].
والقاضي هو الذي يقوم بتطبيق القانون لذا
فهو الذي يستطيع الوقوف على مواطن العجز والنقص ومواضع العيوب التي تجعل النص
التجاري غير واضح أو غير كاف في حكم بعض المعاملات التجارية كما أن القضاء يقوم
بدور كبير في تحديد بعض الأعراف والعادات التجارية[12].
المطلب
السادس: الفقه التجاري:
يقصد بالفقه التجاري (مجموعة آراء الفقهاء
المتخصصين في القانون التجاري والذين يقومون بدراسة وتفسير وتحليل أحكامه)[13]
والفقه من المصادر التفسيرية للقانون
التجاري كما هو الحال بالنسبة للقضاء وهو من المصادر التي يستأنس بها القاضي في
الوصول إلى الحكم في النزاع التجاري المعروض عليه وهو مصدر اختياري بالنسبة للقاضي
كما أن الفقه يساعد المشرع في تفسير القواعد التشريعية وبيان العيوب أو النقص الذي
قد يشوب هذه القواعد كما يساعد في إيجاد المعالجات والحلول لها. والفقه التجاري له
دور كبير في إثبات القواعد العرفية التي تحكم التعاملات التجارية كما يقوم
بتفسيرها[14].
المطلب
السابع: المصادر الدولية للقانون التجاري:
لا شك أن التجارة عندما بدأت – ولا زالت –
قد اكتسبت الصفة الدولية لذا كثيراً ما يثور التنازع بين القوانين الدولية
والمحلية في المجال التجاري وهذا الأمر أدى إلى التفكير في توحيد قواعد القانون
التجاري لتفادي حالات التنازع بين القوانين وبالتالي تنعم التجارة بالاستقرار
والثقة والطمأنينة، وقد بدأ هذا التفكير في نهاية القرن التاسع عشر وصولاً لهذا
الهدف نشأت بعض الهيئات التي أخذت على عاتقها العمل على توحيد أحكام القانون
التجاري في لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ومنها معهد توحيد القانون
الخاص بروما، ومنها غرفة التجارة الدولية وغيرها من المنظمات والهيئات[15].
المبحث
الثانى : نطاق تطبيق القانون التجاري:
إن تحديد نطاق تطبيق القانون التجاري ليس
بالأمر السهل وذلك لأن هذا الأمر يحتاج إلى تحديد الحدود الفاصلة بين القانون
التجاري والقانون المدني حيث أن هذه الحدود غير واضحة في كثير من الأحيان إذ أن كل
منهما يتأثر بالآخر ويؤثر فيه زماناً ومكاناً نظراً لتأثر الوقائع التي تطبق عليه
أحكامها بالظروف الاجتماعية والاقتصادية داخل كل دولة[16].
ولتوضح الحد الفاصل بين القانون التجاري
والقانون المدني وبالتالي تحديد نطاق تطبيق القانون التجاري كقانون مستقل وقائم
بذاته عن القانون المدني ظهرت نظريتين مختلفتين هما النظرية الشخصية والنظرية
المادية (العينية) وقد أخذ بهما الفقهاء لتوضيح نطاق تطبيق القانون التجاري وسوف
نقوم فيما يلي بدراسة هاتين النظريتين يإيجاز على النحو التالي:
المطلب
الأول: النظرية الشخصية:
تقوم هذه النظرية على جعل التاجر أساساً
لتحديد نطاق تطبيق القانون التجاري ومعنى هذا أن الشخص الذي قام بالعمل التجاري
إذا كان تاجراً طبقت عليه أحكام القانون التجاري، وإذا لم يكن تاجراً أخرج من نطاق
تطبيق القانون التجاري ولو كان العمل الذي قام به هذا الشخص عملاً تجارياً[17].
وهذه النظرية تتفق مع نشأة القانون التجاري
فهو قد نشأ في بادئ الأمر قانوناً شخصياً خاصاً بالتجار تكون من الأعراف والعادات
التي كانت تتبعها طائفة التجار في القرون الوسطى وخاصة في ألمانيا وسويسرا
وإيطاليا[18]
ويؤخذ على هذه النظرية أنها غير دقيقة لأنه
ليس من السهل إيجاد ضابط دقيق يفرق بين التاجر وغير التاجر عن طريق تحديد الحرفة
التجارية التي تكسب من يزاولها صفة التاجر كما أنه يصعب على المشرع تحديد الحرف
التجارية تحديداً جامعاً لها كلها مانعاً لها من الاختلاط بغيرها من الحرف[19].
كما أن هذه النظرية تواجه صعوبة أخرى هي
تحديد معنى الحرفة إذ أنه لا يكون تاجراً خاضعاً لأحكام القانون التجاري أن يكون
محترفاً لعمل التجاري لذا وجب تحديد معنى هذه الحرفة وهو أمر لا يخلو من الصعوبة[20].
كما أن التاجر بجانب قيامه بعمله التجاري
يقوم بأعمال مدنية أخرى لا صلة لها بنشاطه التجاري فهو يتزوج ويطلق ويشتري ويبيع
لغير أغراض التجارة أو غير ذلك من الأعمال اللازمة لمعاشه والتي يمكن أن يقوم بها
أي شخص، والمنطق يقضي بعدم سريان أحكام القانون التجاري على هذه الأعمال حتى ولو
صدرت من تاجر[21].
كما أن غير التاجر قد يقوم بعمل تجاري بقصد
المضاربة وتحقيق الربح الأمر الذي يقتضي بإخضاعه لأحكام القانون التجاري ومن غير
المقبول إخضاعه لأحكام القانون المدني بحجة أنه غير تاجر.[22]
المطلب
الثاني: النظرية المادية (العينية):
تقوم هذه النظرية على جعل العمل التجاري هو
الأساس الذي يحدد نطاق تطبيق القانون التجاري وذلك بغض النظر عن صفة القائم به،
فالقانون التجاري بهذا المعنى يطبق على العمل التجاري ولو كان القائم به شخصاً غير
تاجر – ووفقاً لهذه النظرية فإنه لا يشترط لتطبيق أحكام القانون التجاري أن يتكرر
وقوع العمل الذي يعد تجارياً فيكفي أن يقوم به الشخص مرة واحدة ولو كان غير تاجر[23]
ونجد أن المشروع المصري في قانون التجارة لسنة
1999م قد جمع بين النظرية الشخصية والنظرية المادية لتوضيح نطاق تطبيقه فقد جاء
فيه أنه يطبق على الأعمال التجارية وعلى كل شخص طبيعي أو اعتباري تثبت له صفة
التاجر.[24]
ونجد أن المشروع الأردني قد أخذ بالنظرية
المادية إذ أنه جعل العمل التجاري هو الأساس الذي تقوم عليه قواعد القانون التجاري
دون اعتبار لصفة القائم به إلا في حدود استثنائية[25].
[1] القانون
التجاري – د. محمد توفيق السعودي – مرجع سابق ص 24
[2] مبادئ
القانون التجاري – د. مصطفى حلمي عابدين – مرجع سابق – ص24
[3] القانون
التجاري – د. محمد توفيق السعودي – مرجع سابق ص 27
[4] المرجع
السابق – ص 28
[5] المرجع
السابق – ص29
[6] المرجع
السابق – ص 20
[7] المرجع
السابق – ص 32 - 33
[8] المرجع
السابق – ص 21
[9] المرجع
السابق – ص21 / 32
[10] المرجع
السابق – ص31
[11] المرجع
السابق - 35
[12] المرجع
السابق – ذات الصفحة
[13] المرجع
السابق – ص37
[14] المرجع
السابق – ص37
[15] المرجع
السابق – ص38
[16] شرح
القانون التجاري – د. عزيز العكيلي – مرجع سابق – ص7 / القانون التجاري – د. محمد توفيق سعودي –
مرجع سابق – ص41
[17] المرجع
السابق – ص42
[18] مبادئ
القانون التجاري – د. كمال مصطفى طه – ط1 1963م – ص27
[19] شرح
القانون التجاري – د. عزيز العليكي – مرجع سابق – ص8 / القانون التجاري – د. محمد
توفيق سعودي – مرجع سابق – ص43
[20] شرح
القانون التجاري – د. عزيز العليكي – مرجع سابق – ص9
[21] المرجع السابق – ذات الصفحة / القانون التجاري – د. محمد توفيق سعودي – مرجع سابق – ص43
[22] المرجع
السابق – ذات الصفحة
[23] المرجع
السابق – ص 42/13 / شرح القانون التجاري –
د. عزيز العليكي – مرجع سابق – ص10
[24] القانون
التجاري – د. محمد توفيق سعودي – مرجع سابق – ص 44 – 45
[25] د. عزيز
العليكي – مرجع سابق – ص13