نشأة
وتطور التجارة:
إن التجارة بدأت مع وجود الإنسان على الأرض
إذ أن الإنسان كان يعيش في جماعات وكل فرد في هذه الجماعة يحتاج إلى ما عند
الآخرين من سلع وخدمات فالتجارة في أبسط معانيها هي تبادل للمنافع ، فمثلاً إن كان
مزارعاً فهو محتاج إلى أدوات الحرث والري من الصناع ، وإن كان صياداً ، أو راعي أغنام
فهو محتاج إلى أدوات وإلى بعض الحبوب والثمار من المزارعين ، ولا شك أن كل فرد يضن
بما عنده – في الغالب – ولا يعطيه للآخرين إلا إذا كان بموجب مقابل[1].
وقد بدأت التجارة أول ما بدأت في شكل
مقايضة أي إعطاء سلعة مقابل سلعة أخرى بمعنى أن الصياد أو صاحب الأنعام مثلاً
يشتري حاجته من الإنتاج الزراعي بما يملكه من لحوم وأصواف وجلود وأنعام وهكذا، ولا
زالت هذه الطريقة متبعة حتى الآن في المجتمعات البدائية كبعض القبائل في وسط
أفريقيا، كما أنها تظهر في المجتمعات المتحضرة خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية،
كما أن بعض الدول تلجأ إليها في التجارة الخارجية التي تتم بموجب اتفاقيات توقع
بينها[2].
وقد واجه نظام المقايضة صعوبات عديدة نذكر
منها ما يلي[3]:
1.
صعوبة التوافق بين
المتبادلين فمثلاً قد يوجد أحد الأشخاص لديه قمحاً ويحتاج إلى ملح بينما يكون صاحب
الملح يحتاج إلى شيء آخر غير القمح.
2.
صعوبة توازن قيم
السلع وحفظ نسب التبادل بينهما فمثلاً لا يمكن قياس كمية من السكر بجزء من السمن
والشاي مثلاً.
3.
صعوبة التجزئة نظراً
لأن أحد السلعتين محل التبادل تكون غير قابلة للقسمة فإذا كان الحصان يساوي مثلاً
20 حقيبة وكان صاحب الحصان يحتاج إلى حقيبة واحدة فمن المستحيل أن يسلم صاحب
الحقائب 1/20 من لحصان.
4.
صعوبة احتفاظ السلع
بقيمتها لتكون مستودعاً للثروة وقوة للشراء المطلق ومعياراً للتقويم.
وللتغلب على الصعوبات السابقة ظهر مبدأ الأخذ بوسيط يكون وحدة محاسبة ومقياس للقيم وخزانة للثروة وقوة شرائية مطلقة ولم يكن هذا الوسيط موحداً
بين كل الناس بل كان يختلف بإختلاف المجتمعات، فنجد أن البلاد الساحلية قد إختارت
الأصداف نقداً تتعامل به ، بينما ساد إستخدام الفراء كوسيط للتبادل في البلاد
الباردة ، أما البلاد المعتدلة فقد إتخذت الخرز والريش وأنياب الفيلة والحيتان كنقود
تستخدمها في التعامل فيما بينها.[4]
ومع تطور المجتمعات وإتساع المعاملات
ظهر عجز السلع كوسيط للتبادل لتأرجح قيمتها إرتفاعاً وإنخفاضاً تبعاً للعرض والطلب
فكان أن إهتدى الفكر الإقتصادي إلى إستخدام المعادن النفيسة كالذهب والفضة والنحاس
كوسيط للتبادل إلا أنه بعد التعامل بها مدة من الزمن ظهر أنها غير كافية كوسيط
للتبادل[5].
ثم تدخلت الدولة بعد ذلك لضبط التعاملات
فقامت بإصدار العملات المعدنية من الذهب والفضة وتحديد أشكالها وأوزانها وقيمتها
كوسيط للتعامل بين الناس. ويذكر التاريخ أن كرويوس ملك ليريا في جنوب آسيا الصغرى
هو أول من ضرب النقود وكان ذلك في القرن السابع قبل الميلاد، ويمكن تعريف النقود
بأنها هي (كل شيء يتمتع بقبول عام في الوفاء بالالتزامات ويعد مقياساً للقيم،
وأداة للإدخار، وأداة للمدفوعات المؤجلة)[6].
ويذكر التاريخ أن شعوب حوض البحر الأبيض
المتوسط قد مارست التجارة في العصور القديمة وقد كشفت الدراسات التاريخية أن المدن
السورية القديمة كانت تشكل سوقاً لتصريف منتجات بلاد سومر وذلك خلال الألف الثانية
والأولى قبل الميلاد، كما كانت توجد علاقات تجارية بين قدماء المصريين وجزيرة كريت
في القرنين السادس عشر والخامس عشر قبل الميلاد إذ كانت جزيرة كريت تورد لمصر
النحاس والخزف والحلي الذهبية وتستورد منها الأسلحة[7].
وقد عرفت الشعوب السومرية والسامية في
العراق التجارة كما مارسها الفينيقيون الذين كانوا يسكنون السواحل الشرقية للبحر
الأبيض المتوسط ولقد مكنهم موقعهم الجغرافي المميز من السيطرة على تجارة البحر
الأبيض المتوسط في حوالي عام 1200 قبل الميلاد فأقاموا لهم مستعمرات تجارية في
قبرص ورودس وربطوا الشرق بالغرب بصلات تجارية وأسهموا في تطوير نظم التجارة
البحرية[8].
ثم قام الإغريق بالسيطرة على تجارة
البحر الأبيض المتوسط بعد الفينيقيين في حوالي القرن السادس قبل الميلاد ساعدهم في
ذلك موقعهم الجغرافي وإنقسام بلادهم إلى مدن ودويلات مما أدى إلى إزدهار التجارة
عندهم وأقاموا علاقات تجارية مع البلاد الأخرى[9].
ثم جاء الرومان بعد ذلك ولم يهتموا
بالتجارة وأحتقروها وأعتبروها من المهن التي لا تليق بالأشراف فتركوها للأجانب
والرقيق والعتقاء[10].
وقد كانت بلاد العرب عامة وبعض مناطق
الحجاز بلاداً صحراوية جرداء يسكنها قوم رحل يسعون وراء الكلأ لرعي إبلهم وماشيتهم
وهي التي يقوم عليها عيشهم وتعتبر مصدر رزقهم. ولكن كان أهل مكة من قبيلة قريش في
ذلك الوقت يكتسبون أرزاقهم من التجارة لوقوع بلدهم - مكة والتي كانت مقدسة عند كافة
العرب - في منتصف الطريق بين الشام واليمن وقد كانت قوافلهم تقوم بنقل السلع بين شرق
الجزيرة العربية وغربها وبين جنوبها وشمالها وقد ذكر القرآن الكريم ذلك حيث قال
الله تعالى: (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي
أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)[11]
وقد أثرى بعض أهلها ثراءاً فاحشاً من التجارة ثم قاموا بإتخاذ الربا مهنة لهم
لزيادة ثرواتهم وكانوا لا يفرقون بين التجارة والربا وكانوا يضاربون بالدراهم
والدنانير تارة يزيدون في وزنها أو قيمتها، وتارة ينقصون تبعاً لمصالحهم الشخصية[12].
وقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم
التجارة قبل بعثه مع السيدة خديجة بنت خويلد فقد كانت إمرأة ذات شرف ومال ، وكانت
تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، فلما بلغها عن الرسول صلى
الله عليه وسلم صدقه وأمانته وكرم أخلاقه عرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام
تاجراً وتعطيه أفضل مما كانت تعطيه غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة[13].
ثم جاء الإسلام ورفع من مكانة التجارة
من مجرد تبادل للمنافع إلى مكانة الخدمة الإجتماعية وجعلها ركيزة حضارية للمجتمع
المسلم وقد عرف نظام الإدارة المحلية قبل أن تعرفها أوربا عن طريق الإحتكاك
بالمسلمين وكان من مظاهر هذا النظام في المدن التجارية وظيفة المحتسب هو الرقيب
الحقيقي على التجار والمشرف على النشاط الإقتصادي الذي يكفل النظام الأخلاقي، وكان
المحتسب يقوم بتنظيم الأسواق في حدود مبادئ الإسلام الأخلاقية وهذا يظهر مدى إهتمام الإسلام بأمور التجارة لما لها من أهمية في المجتمع[14].
ومع إتساع ساحة الدولة الإسلامية إزداد إزدهار التجارة وأنشأت الطرق التي ربطت العالم الإسلامي ببعضه البعض وبالشعوب
المجاورة له ، ومن تلك الطرق طريق الحرير الذي يربط بين الصين وبغداد حاضرة
العباسيين في العراق ، وقد كان ينقل هذا الطريق الحرير بجانب السلع الأخرى وقد كان
هناك طريق آخر يمتد من بغداد إلى حلب ودمشق ثم موانئ الشام على البحر الأبيض
المتوسط وبجانب ذلك كانت توجد طرق برية أخرى تقطع آسيا وشمال أفريقيا، كما كان
هناك الطريق البحري الذي يربط بين الهند والبحر الأحمر فالعقبة والسويس ثم
الإسكندرية ثم موانئ أوربا على البحر الأبيض المتوسط. وقد تم إنشاء ديوان البريد
في العهد العباسي وقد كانت من وظائفه الإشراف على الطرق وإصلاحها وإدارة المحطات
المقامة على الطريق وحفظ الأمن[15].
ثم إستمر تطور التجارة مع تطور المجتمع
والتطور الكبير في مجالات الإتصالات فظهر ما يُعرف بالتجارة الإلكترونية Electroinc
commerce وهي علي حسب تعريف منظمة التجارة العالمية W-T-O
مجموعة متكاملة من عمليات الإنتاج والتوزيع والتسويق وبيع منتجات بالوسائل
الإلكترونية وهي شراء وبيع السلع عبر شبكة الإنترنت ، ويدخل في مفهوم السلع هنا
بالإضافة إلي البضائع الخدمات والمعلومات وبرامج الكمبيوتر(1) 0
وعرفت كذلك بأنها القيام بالأعمال
بواسطة الحاسوب (2) وشبكة الإنترنت (3) وتمتاز التجارة الألكترونية بالخصائص
التالية : -
1.
سهولة توافر
المعلومات وذلك بسبب إنتشار تقنية الأنترنت في جميع أنحاء العالم 0
2. سهولة
الإتصال مجرد وجود جهاز كمبيوتر وخط هاتف في مكانين مختلفين يجعل إمكانية الإتصال
بينهما مُتاحاً في يسر وسهولة الأمر الذي يؤدي إلي إنتشار التجارة الألكترونية مما
يؤدي إلي زيادة المنافسة مما يترتب عليه تحسين الخدمات 0
3. قلة
تكلفة التبادل فإستخدام الإنترنت في التجارة يؤدي إلي توفير الجهد والزمن والتكلفة
المالية ويمكن المستهلكين من الشراء بدون إتباع العادات والطرق التقليدية وكذلك
تمكن التجارة الألكترونية البائعين من الوصول إلي الأسواق العالمية دون التوخي
للعقبات الطبيعية والإدارية 0
[1] بحوث في الاقتصاد الإسلامي – د. عبد الله بن سليمان المنيع –
المكتب الإسلامي – الطبعة الأولى 1996م –
ص 298
[2] المرجع
السابق – ص 299
[3] المرجع
السابق – ص 300 / التجارة في الإسلام – مرجع سابق ص 10 / النقود والبنوك والتجارة
الدولية – د. زكريا محمد بيومي / دار النهضة العربية – القاهرة – مصر 1989م – ص10
[5] المرجع
السابق – ص299
[6] المرجع
السابق– ص300/التجارة في الإسلام – مرجع سابق ص 10 / النقود والبنوك والتجارة
الدولية – مرجع سابق ص 10
[7] شرح
القانون التجاري – د. عزيز العليكي – الدار العلمية الدولية ومكتبة دار الثقافة
للنشر والتوزيع – عمان – الأردن – 2001م – الجزء الأول – ص18
[8] المرجع
السابق – ص19
[10] المرجع
السابق – ذات الصفحة
[12] انتشار
الإسلام وأشهر مساجد المسلمين في العالم – محمد كمال حسين دار الفكر العربي 1976 – ط1 – ص6
[13] السيرة
النبوية – ابن هشام أبي محمد عبد الملك بن هشام المعافدي - الجزء الأول – مكتبة الصفا – الطبعة الأولى
1422هـ - 2001م – ص 112
[14] التجارة في الإسلام – مرجع سابق – ص10 - 11
[15] المرجع
السابق – ذات الصفحة
1-
التجارة الألكترونية – د : مصطفي حلمي
عابدين – بحث منشور في مجلة العدل – مجلة قانونية - ؟- يصدرا المتب الفني لوزارة
العدل – جمهورية السودان – العدد العاشر – ديسمبر 2003م – ص236
2-
معجم الملكية الفكرية - ؟ أبو غزالة –
ص51
3-
التجارة الألكترونية – د: مصطفي حلمي
عابدين – مرجع سابق – ص 2370238